الوصايا العشر
دراسة في أسرار البيت السعيد.
_________________________________________
من وصية أمامة التغلبية الى أبنتها أم أياس بنت عوف الشيباني قبل زفافها نقتطف منها ما يلي:
(( يا بنية لو كانت الوصية تترك لفضل أدب او لتقدم حسب, لزويت ذلك عنك ولأبعدته منك, ولكنها تذكرة للعاقل ومنبهة للغافل. يا بنية لو أستغنت أمرأة عن زوج بفضل مال أبيها لكنت أغنى الناس عن ذلك, ولكن للرجال خلقنا كما خلقوا لنا.
أي بنية إنك فارقت بيتك الذي منه خرجت وعشك الذي فيه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه, فكوني له أرضاً يَكُنْ لكِ سماء، وكوني له مِهَاداً يَكُنْ لك عماداً، وكوني له أمةً يَكُنْ لك عبداً، واحفظي له خصالاً عشراً يَكُنْ لكِ ذُخْرَا :
أما الأولى والثانية: فالصحبة له والقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة، فأن في القناعة راحة القلب وفي حسن المعاشرة مرضاة الرب. وأما الثالثة والرابعة فالتعهد لموضع عينه والتفقد لموضع أنفه, فلا تقع عيناه منك على قبيح ولايشم منك إلا أطيب ريح, وأعلمي يا بنية أن الماء أطيب الطيب المفقود.
أما الخامسة والسادسة فالتعهد لوقت طعامه والتفقد لحين منامه, فإن حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النوع مغضبة. وأما السابعة والثامنة فالاحتفاظ ببيته وماله والرعاية لحشمه وعياله ، فأن حفظ المال أصل التقدير والرعاية للحشم والعيال من حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة فلا تعصين له أمراً ولا تفشين له سراً. فإنك إن خالفت أمره أوغرت صدره وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، وأتقي من ذلك كله الفرح بين يديه إذا كان مهتماً و الأكتئاب إذا كان فرحاً, فأن الأولى من التقصير والثانية من التكدير, وأشد ما تكونين له موافقة أطول ما يكون لك مرافقة. وأعلمي يا بنية أنك لا تقدرين على ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاك وتقدمي هواه على هواك فيما أحببت أو كرهت, والله يضع لك الخير وأستودعك الله)).
في خضم حياتنا الأجتماعية تتسع المساحات وأيضا المسافات التي تقف حائلا شديد الصلابة, ليمتد بعناد ليقلص حميمية المشاعر, تلك الأبعاد التي نحتاجها جميعا في تحديد علاقتنا بمن حولنا. ولأن الأزواج هم الأقربون صلة بعضهم ببعض فهم الأكثر أحتياجا لألغاء المسافات وتحطيم الحواجز النفسية المصطنعة التي تمتد حتى تكون كجبال الثلج لتجمد العلاقات الزوجية, وتخرجها من الأطار السامي الذي أمر به الأسلام تحت ظلال السكينة والتراحم.
أن المنهج الأسلامي المميز في تحديد العلاقات الزوجية يخلق جوا مفعما بالترابط والمودة الدائمين, وذلك بعد بذل الكثير من الصبر والتعقل والتعامل الراقي أضافة الى الأحترام المتبادل حتى تتبلور هذه العلاقة المقدسة وتستمر.
ولا يسع خيالي المتواضع أن يتصور اي مكان بين طيات هذا الكون الفسيح يضاهي روعة البيت السعيد راحة وأستقرارا وجمالا, فأينما أمتدت أعيننا وأنى حللنا لا تفضل نفوسنا الا المنزل الذي تظلله السعادة وتغمره المودة.
أما مسؤولية خلق الراحة والهدوء والطمأنينة فهي واقعة على عاتق الزوجين على حد سواء. لكن نعرض في هذا المقال خلاصة تفسير الوصايا العشر التي تبين كيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن تسعد زوجها ومن ثم تسعد بيتها وأبنائها. والكل يعلم أن سعادة المرأة مرهونه بسعادة زوجها واطفالها. فأليك سيدتي المسلمة بعض التشعبات التي تحملها هذه الوصية العالية المضمون.
أولا: العين نافذة الروح ورائد القلب, وهي الأول والأكثر أهمية في التأثير على الرجل مطلقا, وعن طريقها تبدأ الروح بالأنجذاب نحو الزوجة, فحين يتزوج رجل بأمرأة يتعلق بصورتها الرائعة كما رأها أول مرة, ويود أن يحفظ لها هذه الصورة سليمة صافية ساحرة على مدى العمر, فلا تشوهي صورتك في ذهنه بل حافظي على جمالك الظاهري قدر المستطاع وكذا جمالك الروحي والاخلاقي, وعلى نظارة صحتك ورشاقة حركاتك وحلاوة حديثك ورقة الفاظك بدون مبالغة, متجنبة أهمال المحافظة على صورتك الأنثوية الرائعة التي ينشدها كل زوج في زوجتة, وقد ورد في الحديث الشريف لنبينا الأعظم صلى الله عليه واله وسلم (ما أستفاد امرؤ فائدة بعد الأسلام أفضل من زوجة تسره اذا نظر أليها..).
أن التعهد لموضع نظر الزوج لا يشمل أهتمام الزوجة بنفسها فقط, بل بترتيب منزلها والتغيير من وضع أثاثه من حين لأخر مع مرور لمساتها الجميلة في كل جوانبه.
ثانيا: لا بد للزوجة المسلمة التجمل بالقناعة والرضا, فلا تحمل زوجها مالا طاقة له به بتكديس جميع طلباتها ورغباتها دفعة واحدة, واذا أصرت على مطالبها الكثيرة او الباهضة فقد يرفضها الزوج جميعا رفضا تاما وخاصة أذا شعر الزوج بحالة الأستغلال المادي والمعنوي لدى شريكة العمر.
ثالثا: أن من مظاهر تعقل المرأة وذكائها أن لا تكلف زوجها بالتحلي مرة واحدة بكل الصفات والمكارم والفضائل التي تشتهي المرأة أن تجتمع في شريك حياتها, المهم أولا أن يلتزم الزوج بأيمانه, فمن النادر جدا أن تجتمع كل مكارم الأخلاق في شخص واحد. وكثيرا من الزيجات قد فشلت بسبب أن الزوجة أو الزوج كان يتوقع من شريكه كل شيئ متكامل, فأذا حصل تقصير لسبب ما إنهار ارتباطهم. فلا تتوقعي سيدتي أكثر مما هو معقول.
رابعا: أذا كان الزوج هو صاحب الكلمة والرأي في عش الزوجية, فالمرأة عند ذلك تكون المسؤول المباشر عن التوافق والأنسجام العائلي, فمهما بلغت من ثقافة ومستوى علمي ومهما كان مركزها الأجتماعي ووضعها الأقتصادي, لا بد لها أن لا تصطدم مع زوجها في الرأي, بل تركز أهتمامها على تبادل الأراء فعليا, فالتفاعل المثمر للأراء خير من أستقطابها بصورة سلبية, والمعاشرة بحسن السمع والطاعة خير من الأختلاف والشجار لما يترك من أثار سلبية على البيت الزوجي. فالمرأة الذكية بسياستها وحلو كلامها وأدبها البارع تستطيع أن ترضي زوجها برأيها دون مشاجرة.
أن من أهم صفات المرأة المؤمنة هي مشاركة زوجها في نجاحه وأخفاقه بمشاعر صادقة, فتشاطره هموم قلبه وسعاده أيامه, متجنبة أفتعال الحزن والغم واللغو, متزينة برقة الحديث والأبتسامة المشعة.
خامسا :أن كنت تودين سيدتي المسلمة المحافظة على ديمومة حياتك الزوجية وتعزيز قدرك وقدر زوجك أمام المجتمع, فلا تنقلي مشاكل زوجك وأهله الى عائلتك وأصدقائك, فتوغري صدورهم, وتشتتي في أعينهم نظرة الأحترام تجاه زوجك, كذلك لا تحاولي البوح فيما يتعلق بحياتك الخاصة ومشاكلك وأسرارك لأي شخص, بل حاولي حل مشاكلك بالتعاون مع زوجك حصرا. واحب ان اقول كلمة , أن المشكلة بين الزوجين أمر طبيعي في كل مكان في العالم حتى بين الازواج المتحابين المتوافقين. فالأختلاف امر طبيعي. ولكن الغير طبيعي هو توسيع نطاق الأختلاف وتضخيم المشكلة وأتخاذ مواقف مستقبلية سلبية تجاه الطرف الأخر. ولا تنسي سيدتي أن المشكلة الزوجية مهما كانت كبيرة اذا لم تخرج من غرفة الزوجية فقد ماتت في مهدها , وسوف ترحل ولن تتذكريها ويمر كل شيء بسلام. ولكن اذا خرجت المشكلة من غرفة الزوجية وعرف بها اهلك او اهله او الاصدقاء او حتى ابنائك سوف تكبر تلك المشكلة وتتشعب ولو كانت مشكلة تافهه وصغيرة. وبالتالي تكون تلك المشكلة الصغيرة التي عرف بها الاخرين هي الغدة السرطانية التي تجر حياتك الزوجية الى الهاوية
سادسا: أختاري الأوقات المناسبة لعرض قضايا الأسرة ومناقشة حلولها, أذ يصعب هذا الأمر عند مغادرة الزوج للمنزل التحاقا بالعمل أو بعد عودته متعبا, ولا تناقشي مشاكل الأبناء بحضورهم أو تسرعي بالشكوى منهم أو من غيرهم بمجرد دخول زوجك الى البيت أو خلال تئناوله الطعام. حاولي التصرف بذكاء في علاقتك مع زوجك.
أما خلال فترة غياب الرجل عن بيت الزوجية, خصصي بعض وقتك لترتيب المنزل وطهو الأطعمة المفضلة لدى زوجك, أضافة الى أهتمامك بنظافة وأشراقة طلعتك فليس من الأنصاف عودة زوجك متعبا مرهقا ليجدك في المطبخ بثياب التنظيف والعمل, بل تجملي قبل وصوله الى البيت, وأستعملي ما يحب من العطور والحلي والملابس او ما قدمه لك كهدية فذلك أقرب الى قلبه.
وأخيرا حافظي على حجابك الأسلامي والتزمي بتدينك, لأن أعظم ما يحب الرجل المؤمن في زوجته هو أن يراها دوما طاهرة سامية مؤمنة بالخالق عز وجل راضية بقضائه متجملة بالحجاب الروحي والخارجي فلا تحطمي هذه الصورة في ذهنه.
وتذكري سيدتي المسلمة أن البيت المملوء حبا وأحتراما وسعادة مع كل ما هو بسيط من مقومات الحياة خير ألف مرة من بيت تغمره كل وسائل الرفاهية في حين ينقصه التقدير والمودة والتسامح.
وعصفور
وسهلا بمنتدكم 
الثلاثاء يوليو 08, 2008 8:03 am
