حوار علمي بين الشيخ الزنداني والبروفيسور نيلسون
الشيخ عبدالمجيد الزنداني ـ الأمين الأول لهيئة الإعجاز العلمي - سابقا- شغوف بمناقشة أكابر العلماء في شتى العلوم لإظهار سبق بيان نصوص القرآن والسنة للحقائق العلمية في الكون والإنسان، وهذا الحوار هو أحد هذه اللقاءات العلمية؛ والذي جرى بين فضيلته وبين البروفيسور نيلسون أستاذ علم الطفيليات البريطاني الشهير، وشارك فيه البروفيسور محمد يوسف سكر والدكتور محمد الصادق عرفة من جامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
وسنقدم في هذا العدد من مجلة الإعجاز العلمي جزءًا من هذا الحوار الشيق والذي يتعلق بالطب الوقائي من الطفيليات والكائنات الدقيقة، وحيث يظهر فيه بوضوح سبق نصوص السنة لما ثبت واستقر في هذا العلم.
الشيخ الزنداني:
ما هو رأي الدكتور نيلسون في أكل السباع والحيوانات ذوات الناب بصفة عامة حيث نهى الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير؟
د. نيلسون:
إن هذه إحدى اهتماماتي الخاصة وهنا أقول: إن هناك ثلاثة أنواع من ديدان التريكينيللا وهي تصيب كل الحيوانات ذوات الناب (آكلات اللحوم)وإحدى هذه الطفيليات قد اكتشفتها أنا شخصيٌّا في شرق أفريقيا والتي سميت باسمي (تريكينيللا نيسوناي) ولكن الذي يهمنا هنا هو أن هذه الطفيليات تنتقل بين الحيوانات (آكلات اللحوم) وبالتالي إلى الإنسان إذا أكلها الإنسان، ولذلك فإن النهي عن أكلها شيء طيب؛ وقد عرفت قبائل شرق أفريقيا ذلك حيث إنهم يبتعدون عن أكل لحوم الحيوانات المفترسة.
الشيخ الزنداني:
ومتى اكتشفتم ذلك الطفيل؟
د. نيلسون:
منذ حوالي عشرين عامًا وطيلة هذه الفترة ظل بعض الناس يشك في أنه فصيلة مختلفة من فصائل التريكينيللا الأخرى، ومع التطور في أساليب البحث تم اكتشاف كيماويات هذه الطفيليات مثل حامض الإكليك ـ والذي يختلف وجوده من طفيل إلى آخر ـ وقد ثبت بذلك أنها من فصيلة مختلفة.
الشيخ الزنداني:
هل كانت الشعوب في العالم على علم بوجود ذلك الطفيل المعدي في الحيوانات آكلة اللحوم؟
د. نيلسون:
إن الناس بفطرتهم كانوا يتجنبون أكل لحوم تلك الحيوانات خوفًا من الإصابة بمرض ما، ولكن لا يعرفون هذا المرض.
وإنني لم أجب بعد عن السؤال حول الطيور الجارحة. فقد اكتشف مؤخرًا نوع من طفيل التريكينيللا يسمى (تريكينيللا سيدوسباروترس)وذلك في الاتحاد السوفييتي، ويعيش هذا الطفيل في الطيور الجارحة، ولم يثبت وجوده بعد في الإنسان؛ حيث إن الإنسان عادة لا يأكل لحم تلك الأنواع من الطيور الجارحة كالنسور والصقور والبوم على سبيل المثال، لذلك فإن الطفيل لم يصل للإنسان.
الشيخ الزنداني:
هل يمكن أن يصيب الإنسان إذا أكل لحم تلك الجوارح؟
د. نيلسون:
لم تسجل بعد حالات إصابة بهذا الطفيل بين الإنسان إلا أن كل الأدلة تشير إلى أنه يمكن أن يصيب الإنسان.
الشيخ الزنداني:
متى عرف أن أكل لحوم ذوات الأنياب وذوات المخالب يسبب الأمراض ومتى كان الإنسان قـادرًا على أن يعرفها؟
د. نيلسون:
من خلال التاريخ فإننا نعلم أن الإنسان قد أصيب بالطفيليات والأمراض التي تسببها منذ الأمد القديم حيث ثبت ذلك من تحاليل القبور والموميات المصرية القديمة منذ أربعة آلاف عام؛ حيث وجدت البلهارسيا، ولم يبدأ أحد قبل مائة وخمسين عامًا في دراسة دورة حياة تلك الطفيليات، وبعد اكتشاف المجهر (الميكروسكوب) فإنه قد أدى إلى تغيير شامل في توجه الإنسان في التعامل مع الجراثيم، وتطور فكرة دراسة دورة حياة الطفيليات ولم يحدث ذلك إلا منذ 150 عامًا مضت فقط، ودعني أضرب مثلاً على ذلك: فبالنسبة لطفيل البلهارسيا فقد اكتشفه عالم ألماني كان يعمل في مصر عام 1852م فعرفنا عن وجود الطفيل حيث استطعنا رؤيته (بالمجهر)إلا أن دورة حياة بلهارسيا المجاري البولية وبلهارسيا المستقيم لم تكتشف إلا في عام 1914م أي بعد حوالي 140 عامًا ولكن اليابانيين اكتشفوا طفيلاً آخر قبل ذلك بعام واحد أي أن تفهم المرض لم يحدث إلا قريبًا جدٌّا.
الشيخ الزنداني:
عندما يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: (لا يبولنّ أحدكم في الماء الراكد الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) في هذا الحديث يربط التوجيه النبوي بين البول في الماء الراكد وبين عدم الاغتسال فيه؛ هل هناك حكمة في ذلك؟
د. نيلسون:
كل ما نستطيع قوله هو أننا الآن نعرف أن الاغتسال في الماء والتبول فيه ينقل الأمراض، وتجنب ذلك يمنع انتشار الأمراض.
الشيخ الزنداني:
في ذلك الزمان أي زمن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هل كان العقل البشري يتمكن من الربط بين عدم التبول في الماء الراكد وعدم الاغتسال فيه.
د. نيلسون:
يوجد الكثير من الطب الوقائي منذ عهد الفراعنة وعهد موسى ـ عليه السلام ـ وعهد النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمنع الأمراض، وأعتقد أنه كانت هناك خبرة ما؛ بحيث لو فعلت كذا ستصاب بالمرض، ولو تجنبت فعل كذا فسوف تتقي مرض كذا، وأعتقد أنه شيء يمكن ملاحظته حيث إن البول والماء الراكد ـ كل ذلك ـ ذو علاقة بالمرض.
الشيخ الزنداني:
لكنك قلت منذ قليل إن الإنسان لم يعرف دورة حياة تلك الطفيليات إلا في عام 1912م لأنها لا ترى بالعين المجردة ولا تعرف دورة حياتها بالعين المجردة فكيف يمكن تمييز شيء لا يرى إلا تحت الميكروسكوب؟ فهل هناك إمكانية لإنسان أن يعرف العلاقة بين التبول في الماء الراكد والإصابة بالمرض، وهذا الطفيلي لا يرى بالعين المجردة والمراقبة له لم تتيسر للإنسان ولم تعرف إلا عام 1912م؟ فكيف نقول إن ذلك تم بالملاحظة والمراقبة؟
أي ملاحظة لشيء لم ير بالعين؟ وهل سجل في التاريخ أن من بال في الماء الراكد قد أصيب بمرض؟
د. نيلسون:
لا يوجد ما يفيد بذلك.
الشيخ الزنداني:
هل تتوقع أن هناك إمكانية لملاحظة هذا من الأولين بدون ميكروسكوب؟
د. نيلسون:
لم أقصد أنهم لاحظوا الطفيليات ولكن ربطوا بين الأسباب والمسببات، فمثــلاً لاحظوا أن من يأكل الحيوانات ذوات الناب يصاب بالأمراض، فتجنبوا أكل لحومها.
الشيخ الزنداني:
لكن قبل اكتشاف الحقيقة وطريقة المرض والعدوى وطريقة انتقاله إلى الإنسان يبقى الإنسان في خيالات أبعد منها إلى الحقائق، قد يعللها مثلاً لوجود شياطين وقد يعللها بأنه أصيب بشوكة أو أن أمه كانت غاضبة عليه أو أنه شرب من دم كذا فليس عنه شيء يضبط الأمر.
د. نيلسون:
عملت في كينيا في مكان بدائي، وقد وجد مرض يسبب العمى ويسبب مرضًا جلديٌّا سيئًا، ولم يعرف إلا في عام 1929م بواسطة الميكروسكوب والعلم الحديث أن الذي يسبب ذلك المرض هو ذبابة تنقله من الماء إلى الأشخاص، إلا أن الناس في ذلك المكان وقبل معرفة أي شيء عن دورة حياة الطفيليات، لا حظوا أن من يتعرض للدغة تلك الذبابة، أو يذهب إلى ذلك الوادي يصاب بالعمى فابتعدوا عنه بدون أي معرفة عن العلوم الحديثة.
الشيخ الزنداني:
ولكنكم قلتم إنكم لا تعرفون توثيقًا علميٌّا على أن هناك علاقة بين البول وبين الأمراض الناتجة عن الاغتسال في الماء الراكد، فهل يمكن اعتبار هذا الحديث هو أول وثيقة في هذا الباب منذ أربعة عشر قرنًا من الزمان.
د. نيلسون:
نعم يمكننا القول بأنه أول إشارة إلى علاقة الماء والبول بالإصابة بالأمراض، ولكن علاقته بالبلهارسيا لا يمكن توثيقها لأنه لم يذكر مرضًا في ذلك ولكن يمكننا القول بأن الإنسان إذا تجنب التغوط في الماء أو في العراء كان هذا أدعى لمنع انتشار الأمراض.
الشيخ الزنداني:
هناك شيء آخر، الآن عندنا القط والكلب، عندنا الآن حيوانان يعيشان مع الإنسان، نرى في تعاليم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ نهى عن إدخال الكلاب البيوت، ونهى عن استعمال أي شيء بعد الكلب، ولكنه سمح باستعمال فضل الماء الذي تشرب منه القطط، إذن التفريق واضح بين الحيوانين، وقد شرحتم من الناحية الطبية الأمراض التي تنشأ عن ذلك وما كان لأحد في زمن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ معرفة هذا الفرق فنريد أن نسأل من الناحية التاريخية، هل هناك من ذكر هذا التفريق بين الكلب والقط؟
د. نيلسون:
إنه لم تعرف الأمراض التي تنقلها الكلاب أو القطط إلا منذ حوالي مائة عام والمرض الوحيد الذي عرف هو داء (سعار الكلب) هذا هو المرض الوحيد الذي عرف قبل مائة عام.
الشيخ الزنداني:
وهل جميع الكلاب تنقل مرض سعار الكلب؟
د. نيلسون:
نعم، بل وكل الحيوانات ذوات الناب تنقل ذلك الداء.
الشيخ الزنداني:
هل هناك من فرق تاريخيٌّا في معاملة الإنسان لهذين الحيوانين؟
وبعبــارة أدق: هل هنــاك تعاليم من الناحية التــاريخية أو الطبية سمعتموها تفرق بينهما أو تحث الإنسان على اجتناب الكلب والإذن بعدم اجتناب القط؟
د. نيلسون:
لا، بل إن هذا الشيء الواضح الذي ذكر في الحديث النبوي ولم يسبق أن قطع به أو أخبر به أي شخص على الإطلاق.
الشيخ الزنداني:
الآن من الناحية الطبية قد عرفنا العلل، فهل كان من الممكن أن تعرف هذه العلل في تلك الأزمنة؟ أو الأمراض التي تسببها الكلاب؟
د. نيلسون:
لا.
الشيخ الزنداني:
فما تفسيركم لذلك إذن؟
د. نيلسون:
لا أدرك بالضبط، فقد استأنس الإنسان الكلاب منذ عشرة آلاف عام وقد استأنسها للتوقي من الذئب أصلاً؛ فكان الكلب ملازمًا للإنسان في حياته سواء كان في الصيد أولاً. حتى إن بعض الناس اعتادوا النوم مع الكلاب للدفء، و لا أعتقد أن إنسانًا قد استبعد الكلب ومنعه من دخول المنزل إلا منذ عهد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).
الشيخ الزنداني:
لقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه أخبر به عن طريق الوحي.
د. نيلسون:
أعتقد أننا لا بد أن نقبل نبيٌّا جاءته الرسالة من الله، ولكن جاءت الرسالات لأنبياء آخرين وفيها كلام عن أمراض أخرى أيضًا، فكما قال الرسول بعدم أكل لحم الخنزير، فقد أرسل أيضًا إلى موسى ـ عليه السلام ـ بالنهي عن أكل لحم الخنزير أو لمس جيفته الميتة، لذا فإن بعض تلك المعرفة يرجع إلى فترة إدراك وجود الله الواحد.
الشيخ الزنداني:
ونحن نؤمن كذلك؛ لأن الرسل جميعًا ترسل من عند الله سبحانه وتعالى، ولكن لنا فقط بعض التحفظات حول نقل المعلومات عنهم لأنه حدث فيها تغيير.
د. نيلسون:
نعم.
الشيخ الزنداني:
فإذا انتقلنا أيضًا إلى الحيوانات الجلالة التي تأكل العذرة فإننا نسأل: هل سبق في التاريخ من نهى عن أكل لحم مثل تلك الحيوانات؟
د. نيلسون:
لا أدري.. إلا أن حقيقة الإنسان لديه إحساس بالجمال وإحساس بالنظام والشعر، وإنه لمن الشيء غير المحمود أن توجد كائنات تأكل البراز، وأنا متأكد أنه كان هناك اشمئزاز تجاه الحيوانات التي تأكل البراز.
الشيخ الزنداني:
مع احترامي لما قلتم، فالإنسان ينقل سماده إلى الزرع، والزرع يؤتي ثمارًا ولكنه يتحول، فكما يقبلها الإنسان في الزرع يقبل ذلك في الحيوان.
د. نيلسون:
إنني أدرك المشكلة، فالبراز استخدم كمخصب للتربة واستخدم أطباء الصحراء بعض المواد المستخلصة من البراز في أفريقيا على سبيل المثال في علاج بعض الأمراض الموجودة عندهم. وعلى ما أتذكر فإنه حتى في بريطانيا وأوربا وليس من زمن بعيد قرأت أن (مارتن لوثر) وكان واحدًا من أكبر رجال الدين في أوروبا القديمة، عولج من مرض الملاريا بأن أكل براز الفرس.
الشيخ الزنداني:
إذن، فهذه الفكرة الأخيرة تشوش على الفكرة الأولى ـ وذلك أن الناس قد يكرهون أن حيوانا قد أكل برازًا ولكن مثل تلك الأفكار تقرب لهم تلك الحيوانات.
د. نيلسون:
لا، ليس كذلك، فالأمر ليس مقبولاً من الناحية الحسية.
الشيخ الزنداني:
إذن فمن الناحية العلمية والتاريخية، هل تعرف أنه قد سجل في التاريخ العلمي أو في التاريخ البشري أن هناك من نهى عن أكل لحوم الحيوانات الجلالة؟
د. نيلسون:
لا أدري؛ ولكن لا بد أن أقول بأنني لست مؤرخًا ولكني أعتقد أننا لو بحثنا مليٌّا في الكتابات الفرعونية (المصرية القديمة) أو الرومانية أو الإغريقية أو الآشورية القديمة، لوجدنا ما يدل على الاشمئزاز من تلك الحيوانات التي تأكل البراز، لا أدري..
الشيخ الزنداني:
أسألك في إطار العلم، متى نهى الأطباء عن أكل الحيوانات الجلالة؟ أم أنهم ما زالوا إلى الآن لم ينهوا؟
د. نيلسون:
إن اكتشاف أول طفيل ينتقل بهذه الطريقة (أي من الحيونات الجلالة إلى الإنسان) كان عام 1838م عندما اكتشف الباحث (بدجت)طفيل (التريكينيللا) وقام الباحث (زنكا) باكتشاف دورة حياة ذلك الطفيل في 1858م أي منذ أكثر من مائة عام، واكتشف زنكا وفيك الألماني أن الخنزير ينقل طفيل التركينيللا إلى الإنسان وكل ذلك منذ حوالي مائة وثلاثين عامًا فقط. وفي نفس الوقت تقريبًا اكتشف كل من كيكين مايس وفيك أوف وآخرون، دورة حياة نوع من الديدان الشريطية تعرف باسم (تينياساجيناتا) و (تيناسوليام)، حيث تصل الديدان إلى مرحلة التكيس وإذا أكل الحيوان محتويات البراز. ولا زلنا بذلك نتحدث عن مرحلة الخمسينيات من القرن التاسع عشر.
د. نيلسون:
أعتقد أنكم تعلمون بأنني أعلم طلابي الاقتباس من الأحاديث التي أظن أنها مهمة عند العامة، وبعد النظر مرة أخرى في بعض الأحاديث معكم، فقد تعلمت أن هناك الكثير من الأحاديث الأخرى لا أزال ج
ً بها. إلا أنني انتهيت إلى نتيجة عامة وهي أنه لو اتبع الناس في جميع أنحاء العالم، التعاليم الواردة في أحاديث النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لاختفى الكثير من الأمراض التي تسببها الطفيليات.
الشيخ الزنداني:
شكرًا، وننتقل إلى موضوع الطيور والجوارح والنهي عن أكل الحيوانات مما كان له ناب من السباع أو مخلب من الطير. مرة ثانية، من الناحية التاريخية هل هناك تسجيل علمي لهذا؟ أم فقط المشاهدة التي شاهدتموها في أفريقيا؟
د. نيلسون:
لا؛ ليس هناك سجلا يمكن الاستشهاد به ولكن التقليد المتعارف عليه بين الناس أنهم لا يأكلون الطيور ذوات المخالب من النسور والصقور مثلاً، ومعظم الناس في العالم لا يأكلون الطيور الجارحة.
الشيخ الزنداني:
إذن هــل نســتطيع اعتبــار هــذا الحـديث هو أول توثيق للنهـي عن أكل لحوم الطيور ذوات المخالب.
د. نيلسون:
إنها إشارة مبكرة، وبالرغم من أنني شخصيٌّا لا أعلم بعد الأمراض التي يسببها أكل لحوم تلك الطيور ولكن ربما نكتشف في المستقبل أنواعًا جديدة من الأمراض المعدية التي تنتقل نتيجة أكل لحوم مثل تلك الطيور.
الشيخ الزنداني:
هذا موضوع بحث علمي.
د. نيلسون:
إنني مهتم بمعرفة ذلك الطفيل (سيدوسباربدس) الذي ثبت وجوده في تلك الطيور ولم يثبت وجوده في الإنسان بعد، غير أنني متأكد أن ذلك الطفيل معدٍ للإنسان إذا أكل لحم تلك الطيور، ولن أقوم بالطبع بإجراء تلك التجربة على نفسي.
الشيخ الزنداني:
يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم: (خمروا الآنية وأجيفوا الأبواب (يعني أغلقوا) وأطفؤا المصابيح) فما تعليقكم على ذلك من الناحية الطبية؟
وهناك حديث آخر للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أيضًا في البخاري: (أطفئوا المصابيح بالليل إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب وأوكئوا الأسقية (أحكموا تغطيتها) وخمروا الطعام والشراب.
د. نيلسون:
نعم فإنه لو لم يغطي الناس في البيوت ـ أو في الطريق ـ آنية الماء الذي يشربونه؛ فسينزل فيه البعوض، والبعوضة في المنزل تسبب نقل مرض الحمى الصفراء وتلك الحمى تنتقل عن طريق وضع البعوضة بيضها في إناء الماء.. هذا أولاً.
الشيء الثاني هو أن الطعام قد يتلوث بكثير من الطفيليات عن طريق الفئران إن لم تتم تغطيته، وأعتقد أن إغلاق الباب لا يسمح بدخول الفئران ولا البعوض إلى داخل المنزل. وأيضًا فإن إطفاء الأضواء يمنع دخول الحشرات والبعوض المسببة للأمراض، والتي تنجذب بطبيعتها إلى الضوء داخل المنزل.
الشيخ الزنداني:
بالنسبة للفأر فقد اعتبره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الفواسق الخمس التي تقتل، حيث قال ـ صلى الله عليه وسلم: كما في البخاري
(خمس من الدواب لا حـرج على من قتلهن: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور).
د. نيلسون:
لا أدري عن الغراب؛ ولكن أهم تلك الأشياء الفأرة، حيث إنها سبب في نقل الكثير من الأمراض، فهي في السعودية - على سبيل المثال - تسبب نقل عدد من الطفيليات مثل (هين ليفنز) والليشمانيا (حبة بغداد) وعدد كبير من الأمراض، لذا فإن قتل الفئران يعتبر شيئًا ضروريٌّا.
الشيخ الزنداني:
إنك مختص في دراسة العلاقة بين الإنسان والحيوان، وقد رأيتم بعض التعاليم، فهل يمكن أن تعلق على هذه التعاليم الإسلامية؟؟
د. نيلسون:
إن الحيوانات التي ذكرت قد تم اختيارها على نحو خاص وإنني أعرف ما للكلب العقور من أضرار وكذلك الفأر ولكنني لا أعرف عن الغراب، وعلى أي حال فإنه ربما نكتشف في المستقبل أن الغراب مسؤول عن نقل بعض الأمراض الأخرى، لأنه في كل عام نكتشف أمراضًا جديدة تنتقل عن طريق الحيوانات وأخرى عن طريق الطيور إلى الإنسان.
الشيخ الزنداني:
هل يمكن جعل هذا موضوع بحث علمي أيضًا؟
د. نيلسون:
نعم، أعتقد كذلك، فالطيور أكثر شيء تم تجاهل دراسته من حيث نقله للأمراض إلا من قبل علماء بحث ودراسة الفيروسات (كانت الطيور) وقد ثبت أن الطيور تنقل الكثير من الفيروسات المهمة جدٌّا والتي لم تنقل بواسطة البعوض.
تعليق للدكتور محمد الصادق عرفة:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
في الحقيقة فإن هذه المناقشة الشيقة التي تمت بين فضيلة الشيخ عبدالمجيد الزنداني والبروفيسور نيلسون شيقة للغاية، وقد كشفت عن جوانب كثيرة تشير إلى صدق الأحاديث النبوية الشريفة بخصوص أكل لحوم بعض الحيوانات وغير ذلك ومدى علاقتها بأمراض الإنسان وخاصة الأمراض الطفيلية التي كانت موضوع هذا الحديث، فمن الجلي ومن الواضح أن هذه الأحاديث النبوية الشريفة قد أشارت إلى كثير من الحقائق الهامة قبل أن يعرفها العلم الحديث، وكما تفضل البروفيسور نيلسون في الحقيقة أن معظم هذه الاكتشافات قد تم اكتشافها في القرن التاسع عشر الميلادي فهي معروفة حديثًا وقد أشارت إليها الأحاديث النبوية الشريفة منذ أربعة عشر قرنًا، فهذا من الإعجاز في الحقيقة الذي يدل على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى).
ثم وجه حديثه إلى الدكتور نيلسون فقال: إن الشيخ الزنداني يشكركم عرفانًا منه على هذا الحديث الشيق وهذا الفيض من المعرفة الذي سمعناه اليوم والذي شرحتم فيه الكثير من الأمراض المكتشفة حديثًا.
د. نيلسون:
وأنا أيضًا أشكر الشيخ عبدالمجيد الزنداني، وأقول بأنني قد تعلمت الكثير من هذه الجلسات التي عقدتها معه كما أقدر جدٌّا تقديمه لوجهات جديدة للقرآن، ولأحاديث لم أكن أعرفها من قبل.